النوايا الباطنية للانسان:الانسان بين الظاهر والباطن- ٢٠٢١
إن الفرد يميل بطبعه إلى الكتمان وعدم إظهار كل مايفكر به ويرنو منطقيا إلى سياسة التجمل وإبداء محاسنه ولكن لا أحد يستطيع قراءة أفكاره إلا ما ينطقه ويعبر عنه
و طبيعة الانسان في ذلك:
إن كل شي يقوم به الإنسان فإنه لا شك يسعى من خلاله الى الاستجابة لرغبة من رغباته أو شهوة من شهواته ونزواته , وبذلك يتسلق سلم الوصول على ظهر الآخرين , ولعل من رحمة الخالق بالمخلوق أن أخفى البيانات الباطنية للإنسان عند الآخرين وجعل لها خصوصية (أنا فقط) فلا أحد قادر على التنبؤ بما يدور في أذهاننا وما ندبره في خلواتنا الا خالق الانسان كما يحكي القرآن. فلم تتح تلك الخاصية لأحد ولو كان رسولا ..وفي السيرة النبوية نجد موقفا حدث للرسول محمد وهو أن بعض المنافقين استطاعوا خداعه بظواهر أقوالهم فنزل القرآن معاتبا(عفا الله عنك لما أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين).
وقد انتهك أحد الصحابة خصوصية البيانات الباطنية فقتل رجلا شهد بالرسالة لمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام بالوحدانية للرب, تحت ضغط السيف , فأنكر عليه الرسول فعلته فقال إنه لم يشهد بذلك الا لما رأى السيف فقال له الرسول منكرا هلا شققت عن قلبه".
-المادة الاولى في دستور التعامل مع الناس :
(نحكم بالظواهر والله يتولى السرائر)(لايجوز التدخل في نيات الآخرين) هي عبارات نرددها على الدوام تقوم على أساس حسن الظن بتصرفات الآخرين.
-وسأحول في هذا المقال انتهاك الخصوصية الباطنية للإنسان .فعندما يرسل لك صديقك مقالا يطلب منك مراجعته فهذه هي الرسالة الظاهرة ,أما الرسالة الخفية فهي " صديقي العزيز لقد اصبحت كاتبا ماهرا فهل نالت كتاباتي إعجابك"
وعندما يلقي الأستاذ درسا أو محاضرة وفي الختام يطرح على طلابه سؤالا تقييميا(ما رأيكم في الزبدة التي قدمتها لكم) فإن الرسالة الخفية " انا استاذ ذكي يختصر على طلابه طرق المعرفة"
وعندما يقوم شخص بتأسيس جمعية أو مؤسسة خيرية فإن الرسالة الخفية "أنا انسان طيب القلب يحب الخير ويكره الشر.فهل نلت إعجابك ياوطني ويا محيطي"
وعندما يعظنا خطيب الجمعة ولحيته مبللة بالدموع في موقف مؤثر من التاريخ أو السيرة فإن الرسالة الخفية" أنا خطيب مفوه أستطيع التأثير على الناس وسيردد الناس بعد خطبتي ماشاء الله على الشيخ أبكى كل من في المسجد"
وعندما نصلي وراء مقرئ حسن الصوت فيتكلف البكاء عند ءاية تتناول التترغيب في بر الوالدين او تصف عظمة الإله وأهوال القيامة فيبكي المقرئ دقائق معدودة والمصلون وراءه كذلك يفعلون. فإن الرسالة الخفية "أنا مقرئ تخشع لتلاوته الأفئدة وتدمع لنبرات مقاماته الصوتية العيون"
وعندما يحلل الصحفي والمحلل السياسي الأحداث الساخنة فيرعد ويزبد في تحليلاته وتعليقاته فان الرسالة الخفية" أنا ذكي وقادر على التنبوء بمستقبل الساسة والعالم فيا عظمة عبقؤيتي"
وعندما تطبخ الزوجة لزوجها أكلة شهية أخذت تفاصيلها ومقاديرها من برنامج(عالم الطبخ) فإن الرسالة الخفية للزوج" أنا زوجة صاحبة كفاءة وطباخة ماهرة . لم يذهب اختيارك سدى أرجو ان أنال مزيدا من إعجابك بي"
وعندما تقترب الإنتخابات فيطل على الناس الساسة ومسابيح الأوراد والأذكار في أعناقهم وأيديهم فإن الرسالة الخفية "أيها المواطن الغبي ها أنا أمثل دور الولي الصالح والعابد الزاهد فأرجوا أن تنال هذه العملية الخداعية نجاحا وتوفيقا"
وعندما ننشر على مواقع التواصل(فيس-تويتر...) أفكارنا الغريبة أو حتى التي تغازل المجتمع وأعرافه وموروثه الثقافي أو صورا لأنشطة حياتنا وكذلك عندما نحشر أنوفنا في القضايا الإقليمية والدولية , وعندما نتجاهل تعليقات الآخرين أوحتى الجواب عن رسائلهم او نحاول الانتصار في كل نقاش تحت شعار (معزة ولو طارت) وعندما ننقر على زر (أحببته) على تعليقات المجاملة و(أغضبني) على التعليقات المنتقدة لتوجهاتنا الفكرية والتواصلية فنقوم بحظر أصحابها على الفور تطبيقا لنظام الديكتاتورية الإفتراضية التي تقتضي تنظيف الحسابات ممن يخالفونا في الرأي
عندما نمارس كل ما أشرت له سالفا فإن الرسالة الخفية التي نضمرها" أنا مفكر كبير وفيلسوف عظيم وملحد ذكي وطالب مجد وأستاذ كفء وزوج وفي وزوجة أمينة صالحة وسائق محترف وعامل قوي ومحلل موفق وسياسي محنك وعاشق يلعب بالفتيات وعاشقة تلعب بمشاعر وحياة العشاق ونصاب تدرب على التحايل والقائمة طويلة"
والنماذج كثيرة وفي ما ذكر الكفاية, وعندما نقوم بكل ذلك وننتظر مدح الآخرين وإعجابهم فإننا نثبت "نظرية النفاق الفطري للانسان في معظم الأحيان
متى سيأتي اليوم الذي نفعل فيه كل شيء دون المبالاة بمدح أو ذم أو تصفيق الآخرين.
يهوى الثناء مبرز ومقصر...حب الثناء طبيعة الإنسان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفأولا تحياتى على المقدمة الخاصة والخواطر فهى مغزة وعنوان رئيسي ما تحتويه الخواطر التالية لسيادتكم لان حسن المقدمة تعطى ايحاء عن الروح التى تحملها الخواطر فاحسنت فى عرض المقدمة البسيطة الرائعة وإعطاء للقارئ انها فى روح المقبول و الملائم للاخلاق والدين والقيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفحقيقي احييك علي مقالك البارع والمرصع بالاساليب البلاغة الجميلة والرصينه وطرحك القيم عن تلك الخفايا الرابضة في أعماق كل منا واظاهرك لها جلية واضحه رغم اننا طالما غفلنا عنها
استمتعت كثيرا بمطالعتي المتواضعه لكتاباتك القيمة
موفقه ان شاءالله