لحظات برفقة القمر .. لعبة الوقت والزمن
هذا المساء كان مساءً صيفياً جميلاً صافياً ومميزاً وهادئاً....
كنت أشعر فيه بالحر فجلست قرب النافذة وشعرت بنسمات باردة وعليلة انعشت روحي وأطفأت شعور الحر الذي كنت أضيق به ...
وكان القمر المكتمل والمستدير يطل علي من بين الأبنية الشاهقة المحيطة بنا والتي أكلت ثلاث ارباع السماء ..
للحظات بقيت أتأمله وأستمتع بتلك النسمات التي تتسرب هاربة باتجاهي وتلتطم بوجنتي وتداعب شعري وكأنها تهرب من ضجيج الخارج وتحتمي بهدوء أفكاري التي ازدادت هدوءاً بعد أن تلاشى شعوري بالحر رويداً رويداً ...
ولكن بعد لحظات توارى القمر خلف البناء المجاور ، وغاب عن ناظري ، وكأنه ألقى عليّ تحية المساء وغادر ليتابع مسيرته في أماكن أخرى ويطل على باقي النوافذ والشرفات ، ويقرأ أفكار كل من يتأمله ، ويصغي إلى أحاديث وحكايا نسجتها أشعة الشمس في النهار ..
لاأدري لماذا عندما كنت اتأمله كنت أظن أنه ثابت في مكانه ، وأن حديثي معه سيطول حتى الصباح ، ولكنه كان ضيفاً خفيفاً وسارع بالذهاب وترك في ذهني أسئلة كثيرة لانهاية لها ..
ذهاب القمر بهذه السرعة جعلني أشعر بتغير الأشياء وتغير موقعها وعدم ثباتها ، ورغم أني أعرف وأدرك هذه الحقيقة...
أدرك أن لاشيء ثابت في الكون وأن جميع الكواكب والنجوم تدور حول نفسها وحول من هو أكبر منها وهو فعلياً ما يعني مرور الزمن الذي لا يتوقف أبداً ، رغم معرفتي وإدراكي لهذه الحقيقة ، ولكن الأمر كان له وقع كبير في نفسي هذه المرة ، أدركت معنى الوقت الذي يتسرب من بين أيدينا باستمرار شئنا أم أبينا ، هي حقيقة ثابتة لانشعر بها إلا بعد فوات الأوان ...
أدركت أن أكبر عدو يهدد الإنسان بشكل مستمر هو الوقت ، وهو خاسر بشكل دائم أمامه ، لأنه لا يملك حق التغلب عليه ولا إيقافه ولو لثانية واحدة ..
وجلٌ ما يستطيع فعله هو أن يستثمره بالشكل الأمثل ، وأن يزرع بلحظاته كل ماهو مفيد له ولغيره ، ويزرع به أجمل اللحظات ويستمتع بها ، ليحمل من خلالها في حقيبته ذكريات تشعره بنشوة الحياة ونشوة الانتصار المزعوم على العدو اللدود .
وربما يستطيع التحايل على الزمن بالتقاط الصور لتجميد لحظات جميلة ، يستطيع الرجوع إليها عندما يريد ..
أدركت كم أن الوقت عنيد ،يأتي بما يشاء أنى شاء .قد يأتي بأمنيات بعد أوانها ويؤجل أمنيات إلى ماشاء الله..وقد يحرمنا من أحلام طالما وددنا أن تتحقق ،وقد يفاجئنا بأمنيات تتحقق في زمن غير الزمان ومكان غير المكان وأشخاص يعبرون علينا في غير وقتهم .الوقت عنيد يفعل مايحلو له وحده،ونحن في عجلة الزمان ندور كدورة هذا القمر ...
ودائماً ما أن تذكر كلمة الوقت أمامي
حتى تتهادى على مسمعي
عبارة فوات الآوان
وكأنهما
التوأمان المتضادان
الرفيقان العدوان
خلقا سويا ليعبثا بنا
دون ان نعرف سبيلا لتفرقتهما عن بعضهما
وأدرك جيداً أن الوقت روزمانا خارجة عن إرادة البشر هو يفعل ما يراه مناسب ، قلما يتوافق مع إرادتنا لذا نبقى لاهسين نبحث عن بوصله تدلنا عن أمانينا و أحلامنا حتى نضل الطريق ، عندها نرضى بما رسمه لنا القدر .
الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك.....
كل يوم كانوا يرددونها في المدرسة....ويطلبون منا أن نكتب موضوع تعبير عنها حتى صرنا نظن أن الوقت له قدمين يمشي عليها.....وأنه شيء فوق الخيال....
كبرنا ...وكشفنا الوقت على حقيقته...
أدركنا أن الوقت أكبر سارق في حياتنا ، وهو الذي لايعاقبه القانون ، يسرق أعمارنا دون أن نشعر إلا بعد فوات الأوان ، وأشعر به يضحك علينا في نهاية الأمر ، وهو ينظر إلينا نظرة استهزاء على ركضنا المستمر بالحياة وكأننا نركض ونحن مربوطين بعقدة خيط صوفي يمسكها الزمن وعندما نصل لنهايتها نقع في مكاننا ...
أدركت كم يمرُّ الوقت سريعاً وعقارب الساعة
تدور. ما هو ماضٍ يتزايدُ و ما هو آتٍ يَقِلُّ. و ما هو مُمكنٌ ينقصُ و ما نندم عليه يتضاعف.
يجري قطار العمر ويمر سريعاً.....!!! بسرعة البرق ونحن نكبر معه ولا نستطيع التوقف حتى لالتقاط أنفاسنا.......البارحة كنا صغاراً نلعب ونمرح ولا نبالي بشيء.....وها نحن اليوم نحمل في طيات العمر سنوات لا زلنا نحصيها ، مرت دون أن نشعر بها.....رغم كل شيء مرت دون استئذان......!!!
مجالستي للقمر لبضع لحظات كانت كفيلة بكشف حقائق كثيرة عن حياتنا وعن الوقت والزمن ، وكأنه أطل علي ليلفت انتباهي و يوصيني أن أفيقي وانظري إلى الكون من حولك ، انظري إلى موقعك وإلى عمرك وإلى آلة الزمن والوقت التي تطحن كل شيء...
كانت جلسة لبضع لحظات لطيفة وممتعة مع صديقي القمر سأدونها على جدار الزمن الذي سوف يمر على الكثيرين ممن سوف يركبون بعدي في عربته ....
تعليقات
إرسال تعليق